فصل: فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يَسْقُطُ بِهِ كُلُّ الْمَهْرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يَسْقُطُ بِهِ كُلُّ الْمَهْرِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَسْقُطُ بِهِ كُلُّ الْمَهْرِ، فَالْمَهْرُ كُلُّهُ يَسْقُطُ بِأَسْبَابٍ أَرْبَعَةٍ:.
مِنْهَا: الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْمَرْأَةِ وَقَبْلَ الْخَلْوَةِ بِهَا، فَكُلُّ فُرْقَةٍ قَدْ حَصَلَتْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ الْخَلْوَةِ تُسْقِطُ جَمِيعَ الْمَهْرِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ تَكُونُ فَسْخًا لِلْعَقْدِ، وَفَسْخُ الْعَقْدِ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ سُقُوطَ كُلِّ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ رَفَعَهُ مِنْ الْأَصْلِ وَجَعَلَهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَسَنُبَيِّنُ الْفُرْقَةَ الَّتِي تَكُونُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَاَلَّتِي تَكُونُ بِطَلَاقٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهَا، وَمِنْهَا: الْإِبْرَاءُ عَنْ كُلِّ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ، وَالْإِسْقَاطُ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْقَاطِ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلسُّقُوطِ يُوجِبُ السُّقُوطَ، وَمِنْهَا: الْخُلْعُ عَلَى الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَهْرُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا رَدَّتْهُ عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ سِوَى الْمَهْرِ يَلْزَمُهَا ذَلِكَ الْمَالُ وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْ كُلِّ حَقٍّ وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ وَإِنْ كَانَ طَلَاقًا بِعِوَضٍ عِنْدَنَا لَكِنْ فِيهِ مَعْنَى الْبَرَاءَةِ لِمَا نَذْكُرُهُ- إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَالَعَةِ وَالْمُبَارَأَةِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْخُلْعِ وَعَمَلِهِ- إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- وَمِنْهَا: هِبَةُ كُلِّ الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا وَبَعْدَهُ إذَا كَانَ عَيْنًا.
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي هِبَةِ الْمَهْرِ أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا مُشَارًا إلَيْهِ مِمَّا يَصِحُّ تَعْيِينُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ دَيْنًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مُعَيَّنَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ فِي الذِّمَّةِ وَالْحَيَوَانِ فِي الذِّمَّةِ كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَالْعَرْضِ فِي الذِّمَّةِ كَالثَّوْبِ الْهَرَوِيُّ، وَالْحَالُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَهَبَتْ كُلَّ الْمَهْرِ أَوْ بَعْضَهُ، فَإِنْ وَهَبَتْهُ كُلَّ الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ كَانَ الْمَهْرُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ: يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ كَانَ دَيْنًا وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ.
(وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ: أَنَّهَا بِالْهِبَةِ تَصَرَّفَتْ فِي الْمَهْرِ بِالْإِسْقَاطِ وَإِسْقَاطُ الدَّيْنِ اسْتِهْلَاكُهُ، وَالِاسْتِهْلَاكُ يَتَضَمَّنُ الْقَبْضَ فَصَارَ كَأَنَّهَا قَبَضَتْ ثُمَّ وَهَبَتْ، وَلَنَا أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَادَ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهَا بِسَبَبٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ نِصْفَ الْمَهْرِ فَقَدْ عَادَ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ وَالْهِبَةُ لَا تُوجِبُ الضَّمَانَ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ كَالنِّصْفِ الْآخَرِ، وَإِنْ وَهَبَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ عَيْنًا فَقَبَضَهُ ثُمَّ وَهَبَهُ مِنْهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ لِأَنَّ مَا تَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ هُوَ نِصْفُ الْمَوْهُوبِ بِعَيْنِهِ وَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ بِعَقْدٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ عَرَضًا فَكَذَلِكَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفُ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ مِنْ الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ تَعَيَّنَ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَقَبَضَتْهُ ثُمَّ وَهَبَتْهُ مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمِثْلِ نِصْفِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالطَّلَاقِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي وَهَبَتْهُ بِعَيْنِهِ، بَلْ مِثْلُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهَا كَانَتْ مُخَيَّرَةً فِي الدَّفْعِ إنْ شَاءَتْ دَفَعَتْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ وَإِنْ شَاءَتْ دَفَعَتْ مِثْلَهُ كَمَا كَانَ الزَّوْجُ مُخَيَّرًا فِي الدَّفْعِ إلَيْهَا بِالْعَقْدِ فَلَمْ يَكُنِ الْعَائِدُ إلَيْهِ عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَصَارَ كَأَنَّهَا وَهَبَتْ مَالًا آخَرَ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَرَجَعَ عَلَيْهَا بِمِثْلِ نِصْفِ الصَّدَاقِ كَذَا هَذَا.
وَقَالَ زُفَرُ: فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَقَبَضَتْهَا ثُمَّ وَهَبَتْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ عِنْدَهُ تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَتَتَعَيَّنُ بِالْفَسْخِ أَيْضًا كَالْعُرُوضِ، وَعِنْدَنَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَلَا تَتَعَيَّنُ بِالْفَسْخِ، وَالْمَسْأَلَةُ سَتَأْتِي فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا فَقَبَضَتْ الْكُلَّ ثُمَّ وَهَبَتْ الْبَعْضَ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا إذَا وَهَبَتْ الْكُلَّ فَإِذَا وَهَبَتْ الْبَعْضَ أَوْلَى، وَإِذَا قَبَضَتْ النِّصْفَ ثُمَّ وَهَبَتْ النِّصْفَ الْبَاقِيَ أَوْ وَهَبَتْ الْكُلَّ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِرُبُعِ الْمَهْرِ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لِلزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفُ الْمَهْرِ، فَإِذَا قَبَضَتْ النِّصْفَ دُونَ النِّصْفِ فَقَدْ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ مُشَاعًا فِيمَا فِي ذِمَّتِهِ وَفِيمَا قَبَضَتْ، فَكَانَ نِصْفُ النِّصْفِ وَهُوَ رُبُعُ الْكُلِّ فِي ذِمَّتِهِ وَنِصْفُ النِّصْفِ فِيمَا قَبَضَتْ إلَّا أَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ وَهَبَتْهُ حَتَّى طَلَّقَهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَا فِي ذِمَّتِهِ قِصَاصًا بِمَالِهِ عَلَيْهَا، فَإِذَا وَهَبَتْ بَقِيَ حَقُّهُ فِي نِصْفِ مَا فِي يَدِهَا- وَهُوَ الرُّبُعُ- فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ وَهَبَتْ وَطَلَّقَهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَقَدْ عَادَ إلَيْهِ مَا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ بِسَبَبٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَهُوَ الْهِبَةُ، فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ بِشَيْءٍ.
وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ جَنَى عَلَيْهَا فَوَجَبَ الْأَرْشُ أَوْ كَانَ شَجَرًا فَأَثْمَرَ أَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ ثُمَّ وَهَبَتْهُ مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ يَنْقَطِعُ عَنْ الْعَيْنِ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا مَعَ الزِّيَادَةِ، وَإِذَا كَانَ حَقُّهُ مُنْقَطِعًا عَنْهَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ مَا اسْتَحَقَّهُ بِالطَّلَاقِ، فَكَانَ لَهُ قِيمَتُهَا، وَإِذَا حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فَالْحَقُّ وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْ الْعَيْنِ بِهِ لَكِنْ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ مَعَ الْعَيْبِ فَلَمْ يَكُنْ الْحَقُّ مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ وَلَمْ يَكُنْ الْوَاصِلُ إلَى الزَّوْجِ عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ.
وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي بَدَنِهَا فَوَهَبَتْهَا لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهَا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَأَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ لَا تَمْنَعُ التَّنْصِيفَ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ تَمْنَعُ، وَإِذَا بَاعَتْهُ الْمَهْرَ أَوْ وَهَبَتْهُ عَلَى عِوَضٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِمِثْلِ، نِصْفِهِ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ وَبِنِصْفِ الْقِيمَةِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ عَادَ إلَى الزَّوْجِ بِسَبَبٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ فَوَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَإِذَا ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ ضَمِنَهَا كَمَا لَوْ بَاعَتْهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الزَّوْجُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ثُمَّ إنْ كَانَتْ بَاعَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعَلَيْهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهَا بِالْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْ ثُمَّ بَاعَتْ فَعَلَيْهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهَا بِالْقَبْضِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ فَمَا يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ نَوْعَانِ:.
نَوْعٌ يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَنَوْعٌ يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ مَعْنًى وَالْكُلُّ صُورَةً، أَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ فَهُوَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ، وَالْمَهْرُ دَيْنٌ لَمْ يُقْبَضْ بَعْدُ.
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ قَدْ يَسْقُطُ بِهِ عَنْ الزَّوْجِ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَقَدْ يَعُودُ بِهِ إلَيْهِ النِّصْفُ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ بِهِ مِثْلُ النِّصْفِ صُورَةً وَمَعْنًى أَوْ مَعْنًى لَا صُورَةً، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ الْمَهْرَ الْمُسَمَّى إمَّا أَنْ يَكُونَ دَيْنًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَقْبُوضٍ، فَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا سَقَطَ نِصْفُ الْمُسَمَّى بِالطَّلَاقِ وَبَقِيَ النِّصْفُ هَذَا طَرِيقُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُسْقِطُ جَمِيعَ الْمُسَمَّى وَإِنَّمَا يَجِبُ نِصْفٌ آخَرُ ابْتِدَاءً عَلَى طَرِيقَةِ الْمُتْعَةِ لَا بِالْعَقْدِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْمُتْعَةَ مُقَدَّرَةٌ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى، وَالْمُتْعَةُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِلَى هَذَا الطَّرِيقِ ذَهَبَ الْكَرْخِيُّ وَالرَّازِي وَكَذَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا: إنَّ لَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ، وَذَلِكَ مُتْعَتُهَا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ} أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُتْعَةَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ فِي النِّكَاحِ تَسْمِيَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْمُتْعَةَ قُدِّرَتْ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ انْفَسَخَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَادَ سَلِيمًا إلَى الْمَرْأَةِ، وَسَلَامَةُ الْمُبْدَلِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْبَدَلِ لِلْآخَرِ كَمَا فِي الْإِقَالَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُبْدَلَ إذَا عَادَ سَلِيمًا إلَى الْمَرْأَةِ فَلَوْ لَمْ تُسَلِّمْ الْبَدَلَ إلَى الزَّوْجِ لَاجْتَمَعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِالْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَذَا الْمَهْرُ، وَلِعَامَّةِ الْمَشَايِخِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} أَوْجَبَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نِصْفَ الْمَفْرُوضِ، فَإِيجَابُ نِصْفٍ آخَرَ عَلَى طَرِيقِ الْمُتْعَةِ إيجَابُ مَا لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ تَصَرُّفٌ فِي الْمِلْكِ بِالْإِبْطَالِ وَضْعًا؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَكَانَ تَصَرُّفًا فِي الْمِلْكِ ثُمَّ إذَا بَطَلَ الْمِلْكُ لَا يَبْقَى النِّكَاحُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَنْتَهِي لِعَدَمِ فَائِدَةِ الْبَقَاءِ وَيَتَقَرَّرُ فِيمَا مَضَى بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ تَصَرُّفًا فِي الْمِلْكِ ثُمَّ السَّبَبُ يَنْتَهِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِعَدَمِ فَائِدَةِ الْبَقَاءِ، وَيَتَقَرَّرُ فِيمَا مَضَى كَذَا الطَّلَاقُ.
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ إلَّا أَنَّ سُقُوطَ النِّصْفِ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِإِحْدَاثِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ جَبْرًا لِلذُّلِّ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَبِالطَّلَاقِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ بِالنَّصِّ.
وَأَمَّا النَّصُّ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالنَّصِّ الَّذِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ الْآيَةَ أَوْ يُحْمَلُ الْأَمْرُ بِالتَّمَتُّعِ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ، وَقَوْلُهُمْ: (الطَّلَاقُ فَسَخُ النِّكَاحِ) مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ فِي الْمِلْكِ بِالْقَطْعِ وَالْإِبْطَالِ فَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْإِعْتَاقِ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا عَادَ إلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ وَأَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى الْمَرْأَةِ بَلْ يَبْطُلُ مِلْكُ الزَّوْجِ عَنْ الْمُتْعَةِ بِالطَّلَاقِ وَيَصِيرُ لَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَّا أَنْ يَعُودَ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُشْبِهُ الْفَسْخَ لِمَا قَالُوا، وَيُشْبِهُ الْإِبْطَالَ لِمَا قُلْنَا: وَشِبْهُ الْفَسْخِ يَقْتَضِي سُقُوطَ كُلِّ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَشِبْهُ الْإِبْطَالِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْإِعْتَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَتَنَصَّفُ تَوْفِيرُ الْحُكْمِ عَلَى الشَّبَهَيْنِ عَمَلًا بِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الطَّرِيقِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْقَوْلِ عَنْ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمَرْأَةِ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهَا نِصْفُ الزَّكَاةِ.
وَلَوْ سَقَطَ الْمُسَمَّى كُلُّهُ ثُمَّ وَجَبَ نِصْفُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ لَسَقَطَ كُلُّ الزَّكَاةِ؛ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ- بِسُقُوطِ كُلِّ الْمَهْرِ ثَمَّ يُوجِبُ نِصْفَهُ- غَيْرُ مُفِيدٍ، وَالشَّرْعُ لَا يَرِدُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
وَلَوْ شَرَطَ مَعَ الْمُسَمَّى الَّذِي هُوَ مَالٌ مَا لَيْسَ بِمَالٍ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَعَلَى أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ الْأُخْرَى أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَسَقَطَ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ إذَا لَمْ يَقَعْ الْوَفَاءُ بِهِ يَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَثْبُتُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُسَمَّى فَيَتَنَصَّفُ، وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ مَعَ الْمُسَمَّى شَيْئًا مَجْهُولًا كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَكَرَامَتِهَا أَوْ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَنْ يُهْدِيَ إلَيْهَا هَدِيَّةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ بِالْكَرَامَةِ وَالْهَدِيَّةِ يَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ هَذَا الشَّرْطِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفَيْنِ حَتَّى وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِهِمَا: الْأَقَلُّ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ.
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْأَقَلُّ فَيَتَنَصَّفُ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ حَتَّى فَسَدَ الشَّرْطُ التَّالِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَهَا نِصْفُ الْأَقَلِّ لِمَا قُلْنَا.
وَعِنْدَهُمَا الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ فَأَيُّهُمَا وُجِدَ فَلَهَا نِصْفُ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ مَا سَمَّى وَتَمَامُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ تَسْمِيَةٌ لِلْعَشَرَةِ عِنْدَنَا فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ وَتَمَامِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَتْهُ فَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فِي الذِّمَّةِ فَقَبَضَتْهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِهَا فَطَلَّقَهَا فَعَلَيْهَا رَدُّ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا رَدُّ عَيْنِ مَا قَبَضَتْ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْمَقْبُوضِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِالْعَقْدِ فَلَا يَكُنْ وَاجِبًا بِالْفَسْخِ.
وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ زُفَرَ فَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَتَتَعَيَّنُ بِالْفَسْخِ فَعَلَيْهَا رَدُّ نِصْفِ عَيْنِ الْمَقْبُوصِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَسَطًا أَوْ ثَوْبًا وَسَطًا فَسَلَّمَهُ إلَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَعَلَيْهَا رَدُّ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا مِثْلَ لَهُ، وَالْأَصْلُ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ وَجَبَ الْوَسَطُ مِنْهُ فِي الذِّمَّةِ وَتَحَمَّلَتْ الْجَهَالَةَ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا تَعَيَّنَ بِالْقَبْضِ كَانَ إيجَابُ نِصْفِ الْعَيْنِ أَعْدَلَ مِنْ إيجَابِ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ فَوَجَبَ عَلَيْهَا رَدُّ نِصْفِ عَيْنِ الْمَقْبُوضِ كَمَا لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا فَقَبَضَتْهُ وَلَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ لِمَا نَذْكُرُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ حَتَّى وَرَدَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ.
فَأَمَّا إذَا كَانَ عَيْنًا بِأَنْ كَانَ مُعَيَّنًا مُشَارًا إلَيْهِ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّعْيِينَ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَسَائِرِ الْأَعْيَانِ فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ بِحَالِهِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ وَإِمَّا إنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَإِنْ كَانَ بِحَالِهِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْبُوضٍ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا عَادَ الْمِلْكُ فِي النِّصْفِ إلَيْهِ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ، وَلَا يَحْتَاجُ لِلْعَوْدِ إلَيْهِ إلَى الْفَسْخِ وَالتَّسْلِيمِ مِنْهَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَهْرُ أَمَةً فَأَعْتَقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْفَسْخِ وَالتَّسْلِيمِ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ فِي نِصْفِهَا بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا لَا يَعُودُ الْمِلْكُ فِي النِّصْفِ إلَيْهِ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ وَلَا يَنْفَسِخُ مِلْكُهَا فِي النِّصْفِ حَتَّى يَفْسَخَهُ الْحَاكِمُ أَوْ تُسَلِّمَهُ الْمَرْأَةُ.
وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي الزِّيَادَاتِ وَزَادَ عَلَيْهِ الْفَسْخَ مِنْ الزَّوْجِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: (قَدْ فَسَخْت) هَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ مِلْكُهَا فِي النِّصْفِ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَهْرُ أَمَةً فَأَعْتَقَهَا قَبْلَ الْفَسْخِ وَالتَّسْلِيمِ جَازَ إعْتَاقُهَا فِي جَمِيعِهَا، وَلَا يَجُوزُ إعْتَاقُ الزَّوْجِ فِيهَا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إعْتَاقُهَا إلَّا فِي النِّصْفِ وَيَجُوزُ إعْتَاقُ الزَّوْجِ فِي نِصْفِهَا.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْعَوْدِ هُوَ الطَّلَاقُ، وَقَدْ وُجِدَ فَيَعُودُ مِلْكُ الزَّوْجِ كَالْبَيْعِ إذَا فُسِخَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّهُ يَعُودُ مِلْكُ الْبَائِعِ بِنَفْسِ الْفَسْخِ كَذَا هَذَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا: أَنَّ الْعَقْدَ وَإِنْ انْفَسَخَ بِالطَّلَاقِ فَقَدْ بَقِيَ الْقَبْضُ بِالتَّسْلِيطِ الْحَاصِلِ بِالْعَقْدِ وَأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ عِنْدَنَا فَكَانَ سَبَبُ الْمِلْكِ قَائِمًا، فَكَانَ الْمِلْكُ قَائِمًا فَلَا يَزُولُ إلَّا بِالْفَسْخِ مِنْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ سَبَبَ الْمِلْكِ أَوْ بِتَسْلِيمِهَا؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهَا نَقْضٌ لِلْقَبْضِ حَقِيقَةً أَوْ بِفَسْخِ الزَّوْجِ عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ بِسَبِيلٍ مِنْ فَسْخِ عَقْدِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِجَارِيَةٍ فَقَبَضَ الْعَبْدَ وَلَمْ يُسَلِّمْ الْجَارِيَةَ حَتَّى هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِهِ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْجَارِيَةِ وَيَبْقَى الْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ الْمَقْبُوضِ إلَى أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، كَأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ كَذَا هَذَا؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ بَدَلٌ يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ مِلْكًا مُطْلَقًا فَلَا يَنْفَسِخُ الْمِلْكُ فِيهِ بِفِعْلِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ كَالثَّمَنِ فِي بَابِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ غَيْرَ الْقَبْضِ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مِلْكًا مُطْلَقًا هَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ بِحَالِهِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ.
فَأَمَّا إذَا زَادَ فَالزِّيَادَةُ لَا تَخْلُو إمَّا إنْ كَانَتْ فِي الْمَهْرِ أَوْ عَلَى الْمَهْرِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَهْرِ بِأَنْ سَمَّى الزَّوْجُ لَهَا أَلْفًا ثُمَّ زَادَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ مِائَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ وَبَطَلَتْ الزِّيَادَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا نِصْفَ الْأَلْفِ وَنِصْفَ الزِّيَادَةِ أَيْضًا.
(وَجْهُ) رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} وَالزِّيَادَةُ مَفْرُوضَةٌ فَيَجِبُ تَنْصِيفُهَا فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا كَالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ فِي بَابِ الْبَيْعِ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ جَمِيعًا فَيَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ كَالْأَصْلِ.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ تَكُنْ مُسَمَّاةً فِي الْعَقْدِ حَقِيقَةً، وَمَا لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ فَوُرُودُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يُبْطِلُهُ كَمَهْرِ الْمِثْلِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: الزِّيَادَةُ تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ قُلْنَا: الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَهْرِ لَا تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنْ الْعَقْدِ حَقِيقَةً، وَإِلْحَاقُ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْعَقْدِ بِالْعَقْدِ خِلَافُ الْحَقِيقَةِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِحَاجَةٍ، وَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْبَيْعِ؛ لِكَوْنِهِ عَقْدَ مُعَايَنَةٍ وَمُبَادَلَةَ الْمَالِ بِالْمَالِ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الزِّيَادَةِ دَفْعًا لِلْخُسْرَانِ، وَلَيْسَ النِّكَاحُ عَقْدَ مُعَايَنَةٍ وَلَا مُبَادَلَةَ الْمَالِ بِالْمَالِ وَلَا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْخُسْرَانِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَغْيِيرِ الْحَقِيقَةِ.
وَأَمَّا النَّصُّ فَالْمُرَادُ مِنْهُ الْفَرْضُ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ فَيَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ} فَدَلَّ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَهْرِ، فَالْمَهْرُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الزَّوْجِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الزَّوْجِ، فَالزِّيَادَةُ لَا تَخْلُو إمَّا إنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْأَصْلِ وَإِمَّا إنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ، وَالْمُتَّصِلَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُتَوَلَّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالسِّمَنِ وَالْكِبَرِ وَالْجَمَالِ وَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ وَالنُّطْقِ، كَانْجِلَاءِ بَيَاضِ الْعَيْنِ وَزَوَالِ الْخَرَسِ وَالصَّمَمِ، وَالشَّجَرِ إذَا أَثْمَرَ وَالْأَرْضِ إذَا زُرِعَتْ أَوْ غَيْرَ مُتَوَلَّدَةٍ مِنْهُ كَالثَّوْبِ إذَا صُبِغَ وَالْأَرْضِ إذَا بُنِيَ فِيهَا بِنَاءٌ.
وَكَذَا الْمُنْفَصِلَةُ لَا تَخْلُو إمَّا إنْ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالْوَلَدِ وَالْوَبَرِ وَالصُّوفِ إذَا جُزَّ وَالشَّعْرِ إذَا أُزِيلَ وَالثَّمَرِ إذَا جُدَّ وَالزَّرْعِ إذَا حُصِدَ أَوْ كَانَتْ فِي حُكْمِ الْمُتَوَلَّدِ مِنْهُ كَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَوَلَّدَةٍ مِنْهُ وَلَا فِي حُكْمِ الْمُتَوَلَّدِ كَالْهِبَةِ وَالْكَسْبِ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَوَلَّدَةً مِنْ الْأَصْلِ أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَوَلِّدِ فَهِيَ مَهْرٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْأَصْلِ أَوْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ وَالزِّيَادَةُ جَمِيعًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ لِكَوْنِهَا نَمَاءَ الْأَصْلِ، وَالْأَرْشُ بَدَلُ جُزْءٍ هُوَ مَهْرٌ فَلْيَقُمْ مَقَامَهُ، وَالْعُقْرُ بَدَلُ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَلَّدِ مِنْ الْمَهْرِ، فَإِذَا حَدَثَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِلْقَبْضِ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ فَكَانَ وُجُودُهَا عِنْدَ الْقَبْضِ كَوُجُودِهَا عِنْدَ الْعَقْدِ فَكَانَتْ مَحَلًّا لِلْفَسْخِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَوَلَّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ فَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْأَصْلِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ التَّنْصِيفَ وَعَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِمَهْرٍ لَا مَقْصُودًا وَلَا تَبَعًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَوَلَّدْ مِنْ الْمَهْرِ فَلَا تَكُونُ مَهْرًا فَلَا تَتَنَصَّفُ، وَلَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُ الْأَصْلِ بِدُونِ تَنْصِيفِ الزِّيَادَةِ فَامْتَنَعَ التَّنْصِيفُ فَيَجِبُ عَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا بِالزِّيَادَةِ صَارَتْ قَابِضَةً لِلْأَصْلِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ حُكِمَ بِالْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْ الْأَصْلِ فَالزِّيَادَةُ لَيْسَتْ بِمَهْرٍ، وَهِيَ كُلُّهَا لِلْمَرْأَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا تَتَنَصَّفُ وَيَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هِيَ مَهْرٌ فَتَتَنَصَّفُ مَعَ الْأَصْلِ.
(وَوَجْهُ) قَوْلِهِمَا: أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ فَكَانَتْ تَابِعَةً لِلْأَصْلِ فَتَتَنَصَّفُ مَعَ الْأَصْلِ كَالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلَّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ كَالسِّمَنِ وَالْوَلَدِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِمَهْرٍ لَا مَقْصُودًا وَلَا تَبَعًا، أَمَّا مَقْصُودًا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا وَرَدَ عَلَيْهَا مَقْصُودًا.
وَكَذَا هِيَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بِمِلْكِ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِتَمَلُّكِ الْجَارِيَةِ الْهِبَةَ لَهَا.
وَأَمَّا تَبَعًا؛ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَوَلَّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ فَدَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَهْرٍ لَا قَصْدًا وَلَا تَبَعًا، وَإِنَّمَا هِيَ مَالُ الْمَرْأَةِ فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ أَمْوَالِهَا بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ الْمُتَوَلَّدَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلَّدَةِ؛ لِأَنَّهَا نَمَاءُ الْمَهْرِ فَكَانَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهِ فَتَتَنَصَّفُ كَمَا يَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ.
وَلَوْ آجَرَ الزَّوْجُ الْمَهْرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَرْأَةِ فَالْأُجْرَةُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ مُتَقَوِّمَةٍ بِأَنْفُسِهَا عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا تَأْخُذُ حُكْمَ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ بِالْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ صَدَرَ مِنْ الزَّوْجِ فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ لَهُ كَالْغَاصِبِ إذَا آجَرَ الْمَغْصُوبَ، وَيُتَصَدَّقُ بِالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ حَصَلَ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ الْخَبَثُ فَكَانَ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ بِهِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَحَدَثَتْ فِيهِ الزِّيَادَةُ.
فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ أَيْ: قَبْلَ الْفُرْقَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً مُتَوَلَّدَةً مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ التَّنْصِيفَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَلِلزَّوْجِ عَلَيْهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ سَلَّمَهُ إلَيْهَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَمْنَعُ وَيَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ مَعَ الزِّيَادَةِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} جَعَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ فَرْضُ نِصْفِ الْمَفْرُوضِ فَمَنْ جَعَلَ فِيهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْمَفْرُوضِ فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ، وَإِذَا وَجَبَ تَنْصِيفُ أَصْلِ الْمَفْرُوضِ وَلَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ إلَّا بِتَنْصِيفِ الزِّيَادَةِ فَيَجِبُ تَنْصِيفُ الزِّيَادَةِ ضَرُورَةً، وَلِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ بِهِ، وَالْأَصْلُ مَهْرٌ فَكَذَا الزِّيَادَةُ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلَّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ مَحْضَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ بِالِانْفِصَالِ صَارَ أَصْلًا بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ مَهْرًا وَبِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فِي الْهِبَةِ أَنَّهَا تَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ وَالِاسْتِرْدَادِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لَيْسَ بِثَابِتٍ بِيَقِينٍ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ الزِّيَادَةِ بِحَالَةِ الْعَقْدِ فَتَعَذَّرَ إيرَادُ الْفَسْخِ عَلَيْهَا فَيُمْنَعُ الرُّجُوعُ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا: أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا عِنْدَ مَا لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ وَهُوَ الْقَبْضُ فَلَا يَكُونُ لَهَا حُكْمُ الْمَهْرِ فَلَا يُمْكِنُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِيهَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَالْعَقْدُ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ أَصْلًا فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ كَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلَّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ نَقَضَ الْعَقْدَ، فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّ نِصْفَ الْأَصْلِ مَعَ نِصْفِ الزِّيَادَةِ أَوْ بِدُونِ الزِّيَادَةِ لَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ رَدُّ الْأَصْلِ بِدُونِ رَدِّ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَحَلًّا لِلْفَسْخِ لِعَدَمِ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَانَ أَخْذُ الزِّيَادَةِ مِنْهَا أَخْذَ مَالٍ بِلَا عِوَضٍ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، وَهَذَا تَفْسِيرُ الرِّبَا؛ وَيَجِبُ نِصْفُ قِيمَةِ الْمَفْرُوضِ لَا نِصْفُ الْمَفْرُوضِ؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْهَالِكِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْمَفْرُوضِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَفْرُوضِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الْأَثْمَانُ دُونَ السِّلَعِ، وَالْأَثْمَانُ لَا تَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ فِي الْبَيْعِ إذَا اخْتَلَفَا أَنَّهَا تَمْنَعُ التَّحَالُفَ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَمْنَعُ وَلَوْ هَلَكَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي يَدِ الزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا نِصْفُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّنْصِيفِ قَدْ ارْتَفَعَ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلَّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ التَّنْصِيفَ، وَعَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأَصْلِ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلَّدَةً مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ التَّنْصِيفَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعَلَيْهَا رَدُّ نِصْفِ قِيمَةِ الْأَصْلِ إلَى الزَّوْجِ وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَمْنَعُ وَيَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ مَعَ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلَّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ فَهِيَ لَهَا خَاصَّةً وَالْأَصْلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ: أَنَّ الزِّيَادَةَ تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلَّدَةٌ مِنْهُ فَتَتَنَصَّفُ مَعَ الْأَصْلِ كَالزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
(وَلَنَا) أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ تَكُنْ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ فَلَمْ تَكُنْ مَهْرًا، وَالْفَسْخُ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى مَا لَهُ حُكْمُ الْمَهْرِ فَلَا تَتَنَصَّفُ وَتَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمَرْأَةِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَلَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُ الْأَصْلِ بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَهُوَ رَدُّ نِصْفِ الْجَارِيَةِ بِدُونِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا لَا يَصِيرُ لَهَا فَضْلُ أَصْلِ فَسْخِ الْعَقْدِ فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا تُبَدَّلَ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ، وَذَلِكَ وَصْفُ الرِّبَا وَأَنَّهُ حَرَامٌ فَإِذَا تَعَذَّرَ تَنْصِيفُ الْمَفْرُوضِ لِمَكَانِ الرِّبَا يُجْعَلُ الْمَفْرُوضُ كَالْهَالِكِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ كَوْنِهِ مَعْجُوزَ التَّسْلِيمِ إلَى الزَّوْجِ بِمَنْزِلَةِ الْهَالِكِ فَيَجِبُ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِيَزُولَ مَعْنَى الرِّبَا، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَّتْ أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَمَا حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ، فَذَلِكَ كُلُّهُ لَهَا وَعَلَيْهَا رَدُّ قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ قَبَضَتْ كَذَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَرُدُّ الْأَصْلَ وَالزِّيَادَةَ فَفَرَّقَ بَيْنَ الرِّدَّةِ وَالتَّقْبِيلِ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ فَقَالَ فِي الطَّلَاقِ: تَرُدُّ نِصْفَ قِيمَةِ الْأَصْلِ، وَفِي الرِّدَّةِ وَالتَّقْبِيلِ تَرُدُّ الْأَصْلَ وَالزِّيَادَةَ جَمِيعًا.
(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ الرِّدَّةَ وَالتَّقْبِيلَ فَسْخُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ، وَجَعْلُ إيَّاهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَصَارَ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ وَقَبَضَ الْجَارِيَةَ وَلَمْ يَدْفَعْ الْعَبْدَ حَتَّى وَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْجَارِيَةَ وَوَلَدَهَا؛ لِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ بِمَوْتِ الْعَبْدِ فِي يَدِ بَائِعِهِ كَذَا هَذَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ إطْلَاقٌ وَحَلٌّ لِلْعَقْدِ وَلَيْسَ بِفَسْخٍ فَيَنْحَلُّ الْعَقْدُ وَتَطْلُقُ أَوْ يَرْتَفِعُ مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ لَا مِنْ الْأَصْلِ.
(وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا أَعْنِي الطَّلَاقَ وَالرِّدَّةَ يَعُودُ سَلِيمًا إلَى الْمَرْأَةِ كَمَا كَانَ إلَّا أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ طَلَاقٌ مِنْ وَجْهٍ وَفَسْخٌ مِنْ وَجْهٍ، فَأَوْجَبَ عَوْدَ نِصْفِ الْبَدَلِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَالرِّدَّةُ وَالتَّقْبِيلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيُوجِبُ عَوْدَ الْكُلِّ إلَى الزَّوْجِ هَذَا كُلُّهُ إذَا حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الطَّلَاقِ.
فَأَمَّا إذَا حَدَثَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ بِأَنْ طَلَّقَهَا، ثُمَّ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ حَدَثَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالنِّصْفِ لِلزَّوْجِ، وَإِمَّا أَنْ حَدَثَتْ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ حَدَثَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَالْأَصْلُ وَالزِّيَادَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ سَوَاءٌ وُجِدَ الْقَضَاءُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّهُ كَمَا وُجِدَ الطَّلَاقُ عَادَ نِصْفُ الْمَهْرِ إلَى الزَّوْجِ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ وَصَارَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَالزِّيَادَةُ حَدَثَتْ عَلَى مِلْكَيْهِمَا، فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ حَدَثَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ، فَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالنِّصْفِ لِلزَّوْجِ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَضَى بِهِ، فَقَدْ عَادَ نِصْفُ الْمَهْرِ إلَى الزَّوْجِ، فَحَصَلَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمِلْكَيْنِ، فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالنِّصْفِ لِلزَّوْجِ، فَالْمَهْرُ فِي يَدِهَا كَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لَهَا، وَقَدْ فُسِخَ مِلْكُهَا فِي النِّصْفِ بِالطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَهْرُ عَبْدًا.
فَأَعْتَقَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالنِّصْفِ لِلزَّوْجِ جَازَ إعْتَاقُهَا، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الزَّوْجُ لَا يَنْفُذُ، وَإِنْ قَضَى الْقَاضِي لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْبَائِعِ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَذَا هاهنا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ الزِّيَادَةِ.
(وَأَمَّا) حُكْمُ النُّقْصَانِ، فَحُدُوثُ النُّقْصَانِ فِي الْمَهْرِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الزَّوْجِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الزَّوْجِ، فَلَا يَخْلُو مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ.
إمَّا أَنْ يَكُونَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِفِعْلِ الْمَهْرِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِفِعْلِ الْمَرْأَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَهْرِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَالنُّقْصَانُ فَاحِشٌ أَوْ غَيْرُ فَاحِشٍ، فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، وَهُوَ فَاحِشٌ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ فَالْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْعَبْدَ النَّاقِصَ، وَأَتْبَعَتْ الْجَانِيَ بِالْأَرْشِ، وَإِنْ شَاءَتْ تَرَكَتْ، وَأَخَذَتْ مِنْ الزَّوْجِ قِيمَةَ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعَقْدِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِضَمَانِ النُّقْصَانِ، وَهُوَ الْأَرْشُ أَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ؛ فَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَهْرُ قَدْ تَغَيَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بَعْضُهُ قِيمَةً، وَيُعْتَبَرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَوَجَبَ الْخِيَارُ كَتَغَيُّرِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنْ اخْتَارَتْ أَخْذَ الْعَبْدِ أَتْبَعَتْ الْجَانِيَ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهَا، وَإِنْ اخْتَارَتْ أَخْذَ الْقِيمَةَ؛ أَتْبَعَ الزَّوْجُ الْجَانِيَ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْعَيْنَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، فَقَامَ مَقَامَ الْمَرْأَةِ، فَكَانَ الْأَرْشُ لَهُ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْعَبْدَ نَاقِصًا، وَتُضَمِّنَ الزَّوْجَ الْأَرْشَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا اخْتَارَتْ أَخْذَهُ، فَقَدْ أَبْرَأَتْ الزَّوْجَ مِنْ ضَمَانِهِ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فَالْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ نَاقِصًا، وَلَا شَيْءَ لَهَا غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَتْ تَرَكَتْهُ، وَأَخَذَتْ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مَضْمُونٌ عَلَى الزَّوْجِ بِالْعَقْدِ، وَالْأَوْصَافُ لَا تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ لِعَدَمِ، وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا مَوْصُوفًا، فَلَا يَظْهَرُ الضَّمَانُ فِي حَقِّهَا، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْأَصْلِ لِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ لِتَغَيُّرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَهْرُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَالْمَبِيعِ إذَا اُنْتُقِصَ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِيهِ كَذَا هَذَا.
وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ الزَّوْجِ ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ نَاقِصًا، وَأَخَذَتْ مَعَهُ أَرْشَ النُّقْصَانِ، وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعَقْدِ كَذَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ الْبَائِعِ إذَا جَنَى عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا جَنَى عَلَى الْمَهْرِ؛ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ نَاقِصًا، وَلَا شَيْءَ لَهَا غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْقِيمَةَ، وَسُوِّيَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمَبِيعِ (وَوَجْهُ) التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا، أَنَّ الْمَهْرَ مَضْمُونٌ عَلَى الزَّوْجِ بِالنِّكَاحِ لَمْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُهَا فِيهِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، ثُمَّ الْحُكْمُ فِي الْبَيْعِ هَذَا كَذَا فِي النِّكَاحِ.
(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأَوْصَافَ، وَهِيَ الْأَتْبَاعُ إنْ كَانَتْ لَا تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ، فَإِنَّهَا تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ، فَتَصِيرُ مَضْمُونَةً إلَّا أَنَّ الْمَبِيعَ، لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِضَمَانٍ آخَرَ، وَهُوَ الثَّمَنُ، وَالْمَحَلُّ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِضَمَانَيْنِ، وَالْمَهْرُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الزَّوْجِ بِمِلْكِ النِّكَاحِ بَلْ بِالْقِيمَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ الْمَهْرَ لَا يَبْطُلُ مِلْكُ النِّكَاحِ، وَلَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ، فَكَذَا إذَا أَتْلَفَ الْجُزْءَ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ الْمَهْرِ بِأَنْ جَنَى الْمَهْرُ عَلَى نَفْسِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ حُكْمُ هَذَا النُّقْصَانِ مَا هُوَ حُكْمُ النُّقْصَانِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ هَدْرٌ، فَالْتَحَقَتْ بِالْعَدَمِ، فَكَانَتْ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ حُكْمُهُ حُكْمُ جِنَايَةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مَضْمُونٌ فِي يَدِ الضَّامِنِ، وَهُوَ الزَّوْجُ، وَجِنَايَةُ الْمَضْمُونِ فِي يَدِ الضَّامِنِ كَجِنَايَةِ الضَّامِنِ كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا جَنَى عَلَى نَفْسِهِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ الْمَرْأَةِ، فَقَدْ صَارَتْ قَابِضَةً بِالْجِنَايَةِ، فَجُعِلَ كَأَنَّ النُّقْصَانَ حَصَلَ فِي يَدِهَا كَالْمُشْتَرِي إذَا جَنَى عَلَى الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا لَهُ كَذَا هاهنا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا.
فَأَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا، فَلَا خِيَارَ لَهَا كَمَا إذَا كَانَ هَذَا الْعَيْبُ بِهِ يَوْمَ الْعَقْدِ، ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا النُّقْصَانُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمَرْأَةِ أَوْ بِفِعْلِ الْمَهْرِ؛ فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ تَتْبَعُهُ بِنِصْفِ النُّقْصَانِ.
وَكَذَا إنْ كَانَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ هَذَا إذَا حَدَثَ النُّقْصَانُ فِي يَدِ الزَّوْجِ.
فَأَمَّا إذَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ، فَهَذَا أَيْضًا لَا يَخْلُو مِنْ الْأَقْسَامِ، الَّتِي وَصَفْنَاهَا، فَإِنْ حَدَثَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ وَهُوَ فَاحِشٌ قَبْلَ الطَّلَاقِ، فَالْأَرْشُ لَهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ، فَلَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ قَبَضَتْ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ، فَيُمْنَعُ التَّنْصِيفُ كَالْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَلِلزَّوْجَةِ نِصْفُ الْعَبْدِ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي الْأَرْشِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهُ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَاعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَإِنْ شَاءَ أَتْبَعَ الْجَانِيَ، وَأَخَذَ مِنْهُ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ، وَعَوْدَ النِّصْفَ إلَيْهِ اسْتَقَرَّ بِالطَّلَاقِ، وَتَوَقَّفَ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي، فَصَارَ فِي يَدِهَا كَالْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ، فَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ إنْ حَدَثَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ، فَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَا يَدَ لَهُ فِيهِ، فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَالْحُكْمُ فِي الْأَجْنَبِيِّ مَا وَصَفْنَا، وَإِنْ حَدَثَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ؛ فَالزَّوْجُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهُ نَاقِصًا، وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مَعَهَا عِنْدَ الْفَسْخِ كَحَقِّهِ مَعَهَا عِنْدَ الْعَقْدِ.
وَلَوْ حَدَثَ نُقْصَانٌ فِي يَدِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ تَأْخُذَهُ نَاقِصًا أَوْ قِيمَتَهُ، فَكَذَا حَقُّ الزَّوْجِ مَعَهَا عِنْدَ الْفَسْخِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ، وَنِصْفَ الْأَرْشِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ يَبْقَى فِي يَدِهَا كَالْمَقْبُوضِ بِحُكْمِ بَيْعٍ فَاسِدٍ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهَا، وَحَقُّ الْغَيْرِ فِي الْفَسْخِ مُسْتَقِرٌّ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبَضَتْ، وَكَذَلِكَ إنْ حَدَثَ بِفِعْلِ الْمَرْأَةِ، فَالزَّوْجُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأَرْشِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ قِيمَتِهِ عَبْدًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ: لِلزَّوْجِ أَنْ يُضَمِّنَهَا الْأَرْشَ (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمَهْرَ مَضْمُونٌ عَلَيْهَا بِالْقَبْضِ، وَالْأَوْصَافِ، وَهِيَ الْأَتْبَاعُ، فَتُضَمَّنُ بِالْقَبْضِ، وَلَا تُضَمَّنُ بِالْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ زُفَرُ فِي النُّقْصَانِ الْحَادِثِ بِغَيْرِ فِعْلِهَا لِهَذَا الْمَعْنَى.
(وَلَنَا) أَنَّ الْمَرْأَةَ جَنَتْ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهَا، وَجِنَايَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ غَيْرُ مَضْمُونَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَدَثَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ جَنَى عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، وَجِنَايَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَ زُفَرُ؛ لِأَنَّ قَبْضَهَا صَادَفَ مِلْكَ نَفْسِهَا، وَقَبْضُ الْإِنْسَانِ مِلْكَ نَفْسِهِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَعَلَيْهَا نِصْفُ الْأَرْشِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ قَدْ اسْتَقَرَّ، وَكَذَلِكَ إنْ حَدَثَ بِفِعْلِ الْمَهْرِ، فَالزَّوْجُ بِالْخِيَارِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا إنْ شَاءَ؛ أَخَذَ نِصْفَهُ نَاقِصًا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَا جِنَايَةَ الْمَهْرِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً، وَإِنْ جَعَلْنَاهَا كَجِنَايَةِ الْمَرْأَةِ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً أَيْضًا، فَلَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً أَيْضًا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ هَذَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا.
فَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ فَاحِشٍ، فَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِفِعْلِ الزَّوْجِ، لَا يَتَنَصَّفُ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ يَمْنَعُ التَّنْصِيفَ، وَإِنْ كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِهَا أَوْ بِفِعْلِ الْمَهْرِ أَخَذَ النِّصْفَ، وَلَا خِيَارَ لَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
(وَأَمَّا) النَّوْعُ الثَّانِي، وَهُوَ مَا يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ مَعْنًى، وَالْكُلُّ صُورَةً: فَهُوَ كُلُّ طَلَاقٍ تَجِبُ فِيهِ الْمُتْعَةُ.
فَيَقَعُ الْكَلَامُ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ الطَّلَاقِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الْمُتْعَةُ، وَاَلَّذِي تُسْتَحَبُّ فِيهِ، وَفِي تَفْسِيرِ الْمُتْعَةِ، وَفِي بَيَانِ مَنْ تُعْتَبَرُ الْمُتْعَةُ بِحَالِهِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ، فَالطَّلَاقُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الْمُتْعَةُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ، وَلَا فَرْضَ بَعْدَهُ أَوْ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ فِيهِ فَاسِدَةً، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ، وَلَكِنْ تُسْتَحَبُّ، فَمَالِكٌ لَا يَرَى وُجُوبَ الْمُتْعَةِ أَصْلًا، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَيَّدَ الْمُتْعَةَ بِالْمُتَّقِي، وَالْمُحْسِنِ بِقَوْلِهِ: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}، وَالْوَاجِبُ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُحْسِنُ، وَالْمُتَّقِي، وَغَيْرُهُمَا، فَدَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ.
(وَلَنَا) قَوْله تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ}، وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ تَفْرِضُوا أَيْ: وَلَمْ تَفْرِضُوا أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ بِمَعْنَى مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ، وَقَدْ فَرَضُوا لَهُنَّ أَوْ لَمْ يَفْرِضُوا لَمَا عَطَفَ عَلَيْهِ الْمَفْرُوضَ، وَقَدْ تَكُونُ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ.
وَقَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}: وَلَا كَفُورًا وقَوْله تَعَالَى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} (وَعَلَى) كَلِمَةُ إيجَابٍ، وقَوْله تَعَالَى: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} وَلَيْسَ فِي أَلْفَاظِ الْإِيجَابِ كَلِمَةٌ أَوْكَدُ مِنْ قَوْلِنَا حَقٌّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقِّيَّةَ تَقْتَضِي الثُّبُوتَ، وَعَلَى كَلِمَةُ إلْزَامٍ، وَإِثْبَاتٍ، فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا يَقْتَضِيَ التَّأْكِيدَ، وَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ كَمَا يَلْزَمُنَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ إلَيْهِ أَيْضًا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُتَّقِي، وَالْمُحْسِنُ، وَغَيْرُهُمَا، ثُمَّ نَقُولُ: الْإِيجَابُ عَلَى الْمُحْسِنِ، وَالْمُتَّقِي لَا يَنْفِي الْإِيجَابَ عَلَى غَيْرِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الْقُرْآنَ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، ثُمَّ لَمْ يَنْفِ أَنْ يَكُونَ هُدًى لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ كَذَا هَذَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُتْعَةَ هاهنا وَاجِبَةٌ أَنَّهَا بَدَلُ الْوَاجِبِ، وَهُوَ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَبَدَلُ الْوَاجِبِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْوَاجِبِ، وَيَحْكِي حِكَايَتَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لَمَّا كَانَ بَدَلًا عَنْ الْوُضُوءِ، وَالْوُضُوءُ وَاجِبٌ كَانَ التَّيَمُّمُ وَاجِبًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُتْعَةَ تَجِبُ بَدَلًا عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ، أَنَّ بَدَلَ الشَّيْءِ مَا يَجِبُ بِسَبَبِ الْأَصْلِ عِنْدَ عَدَمِهِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمُتْعَةُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَهُوَ النِّكَاحُ لَا الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُسْقِطٌ لِلْحُقُوقِ لَا مُوجِبٌ لَهَا لَكِنْ عِنْدَ الطَّلَاقِ يَسْقُطُ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَتَجِبُ الْمُتْعَةُ بَدَلًا عَنْ نِصْفِهِ، وَهَذَا طَرِيقُ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ الرَّهْنَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ يَكُونُ رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ عِنْدَهُ حَتَّى إذَا هَلَكَ تَهْلَكُ الْمُتْعَةُ.
وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ: فَإِنَّهُ لَا يَجْعَلُهُ رَهْنًا بِهَا حَتَّى إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَالْمُتْعَةُ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ وُجُوبُهَا بِطَرِيقِ الْبَدَلِ عِنْدَهُ بَلْ يُوجِبُهَا ابْتِدَاءً بِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَوْ يُوجِبُهَا بَدَلًا عَنْ الْبُضْعِ بِالِاسْتِدْلَالِ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَمْ يُسَمَّ فِيهِ الْمَهْرُ، وَإِنَّمَا فُرِضَ بَعْدَهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرُ، وَكَانَ يَقُولُ: أَوَّلًا يَجِبُ نِصْفُ الْمَفْرُوضَ كَمَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مَفْرُوضًا فِي الْعَقْدِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} أَوْجَبَ تَعَالَى نِصْفَ الْمَفْرُوضَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْفَرْضُ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّ الْفَرْضَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْفَرْضِ فِي الْعَقْدِ.
ثُمَّ الْمَفْرُوضُ فِي الْعَقْدِ يَتَنَصَّفُ، فَكَذَا الْمَفْرُوضُ بَعْدَهُ، وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ} أَوْجَبَ الْمُتْعَةَ فِي الْمُطَلَّقَاتِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَامًّا، ثُمَّ خُصَّتْ مِنْهُ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ عِنْدَ وُجُودِهِ، فَبَقِيَتْ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ عِنْدَ وُجُودِهِ عَلَى أَصْلِ الْعُمُومِ، وقَوْله تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} أَيْ: وَلَمْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُنْصَرِفٌ إلَى الْفَرْضِ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ، وَالْمُتَعَارَفُ هُوَ الْفَرْضُ فِي الْعَقْدِ لَا مُتَأَخِّرًا عَنْهُ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْفَرْضَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} مُنْصَرِفٌ إلَى الْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ، وَبِهِ نَقُولُ إنَّ الْمَفْرُوضَ فِي الْعَقْدِ يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ وَلِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ قَدْ وَجَبَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، فَكَانَ الْفَرْضُ بَعْدَهُ تَقْدِيرًا لِمَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ، وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ يَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَتَجِبُ الْمُتْعَةُ، فَكَذَا مَا هُوَ بَيَانٌ وَتَقْدِيرٌ لَهُ إذْ هُوَ تَقْدِيرٌ لِذَلِكَ الْوَاجِبِ.
وَكَذَا الْفُرْقَةُ بِالْإِيلَاءِ، وَاللِّعَانِ، وَالْجَبِّ، وَالْعُنَّةِ، فَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ، فَتُوجِبُ الْمُتْعَةَ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ نِصْفَ الْمُسَمَّى فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ، وَالْمُتْعَةُ عِوَضٌ عَنْهُ كَرِدَّةِ الزَّوْجِ، وَإِبَايَةِ الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ، فَلَا مُتْعَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهَا الْمَهْرُ أَصْلًا، فَلَا تَجِبُ بِهَا الْمُتْعَةُ.
وَالْمُخَيَّرَةُ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ، فَلَهَا الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةُ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ مُضَافَةٌ إلَى الْإِبَانَةِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ فِعْلُ الزَّوْجِ.
(وَأَمَّا) الَّذِي تُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمُتْعَةُ، فَهُوَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ، وَهَذَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ: الشَّافِعِيُّ الْمُتْعَةُ فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَاجِبَةٌ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} جَعَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعًا فَاللَّامُ الْمِلْكِ عَامًّا إلَّا أَنَّهُ خُصِّصَتْ مِنْهُ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ، فَبَقِيَتْ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ، وَالْمُطَلَّقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَى ظَاهِرِ الْعُمُومِ، وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُتْعَةَ وَجَبَتْ بِالنِّكَاحِ بَدَلًا عَنْ الْبُضْعِ إمَّا بَدَلًا عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ أَوْ ابْتِدَاءً، فَإِذَا اسْتَحَقَّتْ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرَ الْمِثْلِ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَلَوْ وَجَبَتْ الْمُتْعَةُ؛ لَأَدَّى إلَى أَنْ يَكُونَ لِمِلْكٍ وَاحِدٍ بَدَلَانِ وَإِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ، وَالْأَصْلِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ؛ وَلِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ لَا تَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ بِالْإِجْمَاعِ، فَالْمُطَلَّقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَسْتَحِقُّ بَعْضَ الْمَهْرِ وَالثَّانِيَةَ تَسْتَحِقُّ الْكُلَّ فَاسْتِحْقَاقُ بَعْضِ الْمَهْرِ لَمَّا مَنَعَ عَنْ اسْتِحْقَاقِ الْمُتْعَةِ فَاسْتِحْقَاقُ الْكُلِّ أَوْلَى.
وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، فَيُحْمَلُ ذِكْرُ الْمَتَاعِ فِيهَا عَلَى النَّدْبِ، وَالِاسْتِحْبَابِ، وَنَحْنُ بِهِ نَقُولُ إنَّهُ يُنْدَبُ الزَّوْجُ إلَى ذَلِكَ كَمَا يُنْدَبُ إلَى أَدَاءِ الْمَهْرِ عَلَى الْكَمَالِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَوْ يُحْمَلُ عَلَى النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فِي حَالِ قِيَامِ الْعِدَّةِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَتَاعٌ إذْ الْمَتَاعُ اسْمٌ لِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ كُلِّهَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ بَعْدَ الدُّخُولِ تُسْتَحَبُّ فِيهَا الْمُتْعَةُ إلَّا أَنْ يَرْتَدَّ أَوْ يَأْبَى الْإِسْلَامَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْبَابَ طَلَبُ الْفَضِيلَةِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْفَضِيلَةِ.
(وَأَمَّا) تَفْسِيرُ الْمُتْعَةِ الْوَاجِبَةِ، فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهَا ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ دِرْعٌ، وَخِمَارٌ، وَمِلْحَفَةٌ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: أَرْفَعُ الْمُتْعَةِ الْخَادِمُ، ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ الْكِسْوَةُ، ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ النَّفَقَةُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا لَهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبِرْنِي عَنْ الْمُتْعَةِ، وَأَخْبِرْنِي عَنْ قَدْرِهَا، فَإِنِّي مُوسِرٌ، فَقَالَ: اُكْسُ كَذَا اُكْسُ كَذَا اُكْسُ كَذَا قَالَ: فَحَسَبْتُ ذَلِكَ، فَوَجَدْتُهُ قَدْرَ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، فَدَلَّ أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا.
(وَلَنَا) قَوْله تَعَالَى فِي آيَةِ الْمُتْعَةِ: {مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}، وَالْمَتَاعُ اسْمٌ لِلْعُرُوضِ فِي الْعُرْفِ؛ وَلِأَنَّ لِإِيجَابِ الْأَثْوَابِ نَظِيرًا فِي أُصُولِ الشَّرْعِ، وَهُوَ الْكِسْوَةُ الَّتِي تَجِبُ لَهَا حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ، وَأَدْنَى مَا تَكْتَسِي بِهِ الْمَرْأَةُ، وَتَسْتَتِرُ بِهِ عِنْدَ الْخُرُوجِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ، وَلَا نَظِيرَ لِإِيجَابِ الثَّلَاثِينَ، فَكَانَ إيجَابُ مَا لَهُ نَظِيرٌ أَوْلَى، وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ دَلِيلُنَا؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْكِسْوَةِ لَا بِدَرَاهِمَ مُقَدَّرَةٍ إلَّا أَنَّهُ اُتُّفِقَ أَنَّ قِيمَةَ الْكِسْوَةِ بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا بِالثَّلَاثِينَ.
وَلَوْ أَعْطَاهَا قِيمَةَ الْأَثْوَابِ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْأَثْوَابَ مَا وَجَبَتْ لِعَيْنِهَا بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَالٌ، كَالشَّاةِ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ.
وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ تُعْتَبَرُ الْمُتْعَةُ بِحَالِهِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ.
: قَدْرُ الْمُتْعَةِ يُعْتَبَرُ بِحَالِ الرَّجُلِ فِي يَسَارِهِ، وَإِعْسَارِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بَعْضُهُمْ: تُعْتَبَرُ بِحَالِ الْمَرْأَةِ فِي يَسَارِهَا، وَإِعْسَارِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُعْتَبَرُ بِحَالِهِمَا جَمِيعًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُتْعَةُ الْوَاجِبَةُ تُعْتَبَرُ بِحَالِهَا، وَالْمُسْتَحَبَّةُ تُعْتَبَرُ بِحَالِهِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ حَالَ الرَّجُلِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} جَعَلَ الْمُتْعَةَ عَلَى قَدْرِ حَالِ الرَّجُلِ فِي يَسَارِهِ، وَإِعْسَارِهِ (وَجْهُ) قَوْلِ مَنْ قَالَ: بِاعْتِبَارِ حَالِهَا أَنَّ الْمُتْعَةَ بَدَلُ بُضْعِهَا، فَيُعْتَبَرُ حَالُهَا، وَهَذَا أَيْضًا وَجْهُ مَنْ يَقُولُ الْمُتْعَةُ الْوَاجِبَةُ تُعْتَبَرُ بِحَالِهَا، وَقَوْلُهُ الْمُتْعَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ تُعْتَبَرُ بِحَالِهِ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْوَاجِبِ لَا فِي الْمُسْتَحَبِّ (وَجْهُ) مَنْ اعْتَبَرَ حَالَهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اعْتَبَرَ فِي الْمُتْعَةِ شَيْئَيْنِ أَحَدَهُمَا: حَالَ الرَّجُلِ فِي يَسَارِهِ، وَإِعْسَارِهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}.
وَالثَّانِيَ: أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ بِقَوْلِهِ: {مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ} فَلَوْ اعْتَبَرْنَا فِيهَا حَالَ الرَّجُلِ دُونَ حَالِهَا عَسَى أَنْ لَا يَكُونَ بِالْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَتَيْنِ إحْدَاهُمَا شَرِيفَةٌ، وَالْأُخْرَى مَوْلَاةٌ دَنِيئَةٌ، ثُمَّ طَلَّقَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهِمَا، وَلَمْ يُسَمِّ لَهُمَا أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْمُتْعَةِ بِاعْتِبَارِ حَالِ الرَّجُلِ، وَهَذَا مُنْكَرٌ فِي عَادَاتِ النَّاسِ لَا مَعْرُوفٌ، فَيَكُونُ خِلَافَ النَّصِّ، ثُمَّ الْمُتْعَةُ الْوَاجِبَةُ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ بَلْ هُوَ نِهَايَةُ الْمُتْعَةِ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عِنْدَ التَّسْمِيَةِ آكَدُ، وَأَثْبَتُ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْمُتْعَةَ عَلَى قَدْرِ احْتِمَالِ مِلْكِ الزَّوْجِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}، فَأَوْجَبَ نِصْفَ الْمُسَمَّى مُطْلَقًا احْتَمَلَهُ وُسْعُ الزَّوْجِ، وَمِلْكُهُ أَوْ لَا.
وَكَذَا فِي وُجُوبِ كَمَالِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَسُقُوطِهِ، وَوُجُوبِ الْمُتْعَةِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ، وَعَدَمِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ كَمَالِ الْمُسَمَّى مِنْ ذَلِكَ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ دَلَّ أَنَّ الْحَقَّ أَوْكَدُ، وَأَثْبَتُ عِنْدَ التَّسْمِيَةِ، ثُمَّ لَا يُزَادُ هُنَاكَ عَلَى نِصْفِ الْمُسَمَّى، فَلَأَنْ لَا يُزَادَ هاهنا عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الْمُتْعَةَ بَدَلٌ عَنْ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَا يُزَادُ الْبَدَلُ عَلَى الْأَصْلِ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى طَرِيقِ الْعِوَضِ، وَأَقَلُّ عِوَضٍ يَثْبُتُ فِي النِّكَاحِ نِصْفُ الْعَشَرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.